فتح الرياض- الملك عبدالعزيز ودوره المحوري في حركة التاريخ
المؤلف: طلال صالح بنان11.21.2025

عندما استعاد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود الرياض في الخامس عشر من يناير عام 1902، كان يدرك تمام الإدراك أنه على أعتاب فصل جديد من فصول التاريخ، وأن طموحه السامي في استرجاع حكم أجداده، الذي لطالما صدح به، يمثل جزءاً لا يتجزأ من هذا المسار التاريخي. وما كان لهذا المسار أن يكتب له الاستمرار والازدهار، لولا وجود قيادة استثنائية فذة كقيادة الملك عبدالعزيز، الذي استشعر بمسؤوليته التاريخية على المستويين الإقليمي والعالمي، في بداية القرن العشرين الزاخر بالأحداث الجسام.
بتوفيق من الله، وبصحبة ثلة مؤمنة بالغاية النبيلة التي حملها الملك عبدالعزيز على عاتقه، كان فتح الرياض، في مطلع القرن العشرين، منعطفاً تاريخياً بارزاً ومفصلياً. لقد شكل هذا الفتح الميمون البداية الحقيقية واللبنة الأولى لقيام الدولة السعودية الثالثة، في بقعة نائية من قلب الجزيرة العربية، تلك التي لم يعرف عنها الكثيرون، والتي ظلت عصية على الغزاة والطامعين، منذ زمن الإسكندر الأكبر.
في صبيحة ذلك اليوم المشهود، لم ينتظر الملك عبدالعزيز في قصره بالرياض توافد الوفود من شتى أنحاء الجزيرة العربية لمبايعته ملكاً، بل انطلق مدفوعاً بإحساس عميق يخبره بأن فتح الرياض ليس سوى البداية والانطلاقة نحو تأسيس الدولة السعودية الثالثة. لعله في تلك اللحظة بدأ يستشعر أنه خيار التاريخ، وأن مملكته التي استغرقت ثلاثة عقود من الجهد المتواصل والبناء الدؤوب لإتمام وحدتها، سيكون لها مكانة مرموقة وشأن عظيم على الصعيدين الإقليمي والدولي.
لقد استغرق الأمر من الملك عبدالعزيز ثلاثة عقود حافلة بالعمل المضني ليتمكن من ترسيخ دعائم مملكته الفتية، التي كانت تستعد للمساهمة في تشكيل نظام عالمي جديد. ففي تلك الحقبة، كان الملك عبدالعزيز جالساً في قصره بالرياض، متأملاً كيف تتكشف أمامه صفحة التاريخ، ليشهد أفول نجم قوى عظمى وصعود قوى أخرى، وليؤكد أنه لم يعد من الممكن تجاهل هذه المنطقة من العالم في أي نظام دولي قادم.
عندما استرجع الملك عبدالعزيز الرياض، كان العالم آنذاك تحت سيطرة قوى استعمارية كبرى، ذات نفوذ واسع يمتد إلى أرجاء الجزيرة العربية. ففي الشمال، كانت الإمبراطورية العثمانية تحتضر، تعاني من الوهن والضعف. وفي المقابل، كانت بريطانيا العظمى قد بلغت أوج مجدها وتوسعها، بينما بدأت تظهر قوى دولية صاعدة لا تخفي مطامعها في الهيمنة على العالم، مثل ألمانيا في الغرب واليابان في الشرق. في ذلك الوقت، كانت لبريطانيا موطئ قدم راسخ في منطقة الخليج العربي وبحر العرب. وكان فتح الأحساء في أبريل عام 1913 بمثابة الشرارة التي أذنت بالخروج النهائي للعثمانيين من الجزيرة العربية، ووفر إطلالة استراتيجية لمملكة الملك عبدالعزيز الفتية على ساحل الخليج العربي. وسرعان ما أثبتت الأحساء أنها المنطقة الأهم استراتيجياً في العالم، نظراً لغزارة إنتاجها النفطي، وما أدراك ما النفط.
بفضل ذكائه الفطري الفريد، والذي يضاهي ذكاء العديد من القادة الذين ساهم التاريخ في بروزهم وسيادتهم، كان للملك عبدالعزيز دور محوري في تأسيس المملكة العربية السعودية الثالثة. وكما حدث في الأحساء، استغل الملك عبدالعزيز عدم رضا بريطانيا عن الشريف حسين، ليتقدم بجنوده غرباً ويستعيد الحجاز في الفترة ما بين سبتمبر 1924 وديسمبر 1925. وخلافاً لشريف مكة، لم يقدم الملك عبدالعزيز أي وعود للبريطانيين، ولم يتلق منهم وعوداً، لكن بحسه الاستراتيجي المتقد، رأى أن الطريق إلى الحجاز ممهداً أمامه، مستغلاً تطمينات البريطانيين من جهته، ورغبتهم في التخلص من شريف مكة، الذي كان يطالب بريطانيا العظمى بتنفيذ وعودها تجاهه، بتنصِيبه ملكاً على العرب، مقابل مساعدته لها في إخراج العثمانيين من منطقة شرق السويس، فيما عُرف بالثورة العربية الكبرى، في ذروة الحرب العالمية الأولى (1914-1919).
من وجهة نظر الإنجليز، تمثل الخطأ الذي وقع فيه شريف مكة في إعلانه عن طموحه التوسعي، ورغبته في أن يصبح ملكاً على العرب، ليحل محل الخليفة العثماني في إسطنبول. أما الملك عبدالعزيز، فكان هدفه المعلن منذ البداية هو استعادة ملك آبائه وأجداده، وليس أن يصبح ملكاً للعرب أو خليفة للمسلمين. وهذا ما قاله صراحة لبريطانيا والحلفاء عندما عرضوا عليه منصب الخلافة بعد سقوط الخلافة الإسلامية في إسطنبول، حيث أحالهم بذكاء خارق إلى شريف مكة.
وبحسه الاستراتيجي العميق وإدراكه لحركة التاريخ، كان الملك عبدالعزيز يرى أن كلاً من الإمبراطوريتين العثمانية والبريطانية تمران بمرحلة انحدار وتراجع كقوى عظمى. لذا، كان اختياره للولايات المتحدة وليس لبريطانيا في بداية اكتشاف النفط في مملكته، من أبرز مظاهر ذكائه الاستراتيجي، وكأن التاريخ يكشف له عن قرب أن هناك قوة عظمى صاعدة ستهيمن على النظام الدولي (الولايات المتحدة) خلال القرن العشرين، وربما لما بعده.
عندما استعاد الملك عبدالعزيز الرياض، ربما أدرك دوره المحوري، وأن الكيان الذي يسعى لتشييده يسير جنباً إلى جنب، في توافق وانسجام تام مع مسيرة التاريخ.
رحم الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، الذي كان واحداً من أعظم قادة التاريخ الذين استشعروا دورهم في حركة التاريخ.
بتوفيق من الله، وبصحبة ثلة مؤمنة بالغاية النبيلة التي حملها الملك عبدالعزيز على عاتقه، كان فتح الرياض، في مطلع القرن العشرين، منعطفاً تاريخياً بارزاً ومفصلياً. لقد شكل هذا الفتح الميمون البداية الحقيقية واللبنة الأولى لقيام الدولة السعودية الثالثة، في بقعة نائية من قلب الجزيرة العربية، تلك التي لم يعرف عنها الكثيرون، والتي ظلت عصية على الغزاة والطامعين، منذ زمن الإسكندر الأكبر.
في صبيحة ذلك اليوم المشهود، لم ينتظر الملك عبدالعزيز في قصره بالرياض توافد الوفود من شتى أنحاء الجزيرة العربية لمبايعته ملكاً، بل انطلق مدفوعاً بإحساس عميق يخبره بأن فتح الرياض ليس سوى البداية والانطلاقة نحو تأسيس الدولة السعودية الثالثة. لعله في تلك اللحظة بدأ يستشعر أنه خيار التاريخ، وأن مملكته التي استغرقت ثلاثة عقود من الجهد المتواصل والبناء الدؤوب لإتمام وحدتها، سيكون لها مكانة مرموقة وشأن عظيم على الصعيدين الإقليمي والدولي.
لقد استغرق الأمر من الملك عبدالعزيز ثلاثة عقود حافلة بالعمل المضني ليتمكن من ترسيخ دعائم مملكته الفتية، التي كانت تستعد للمساهمة في تشكيل نظام عالمي جديد. ففي تلك الحقبة، كان الملك عبدالعزيز جالساً في قصره بالرياض، متأملاً كيف تتكشف أمامه صفحة التاريخ، ليشهد أفول نجم قوى عظمى وصعود قوى أخرى، وليؤكد أنه لم يعد من الممكن تجاهل هذه المنطقة من العالم في أي نظام دولي قادم.
عندما استرجع الملك عبدالعزيز الرياض، كان العالم آنذاك تحت سيطرة قوى استعمارية كبرى، ذات نفوذ واسع يمتد إلى أرجاء الجزيرة العربية. ففي الشمال، كانت الإمبراطورية العثمانية تحتضر، تعاني من الوهن والضعف. وفي المقابل، كانت بريطانيا العظمى قد بلغت أوج مجدها وتوسعها، بينما بدأت تظهر قوى دولية صاعدة لا تخفي مطامعها في الهيمنة على العالم، مثل ألمانيا في الغرب واليابان في الشرق. في ذلك الوقت، كانت لبريطانيا موطئ قدم راسخ في منطقة الخليج العربي وبحر العرب. وكان فتح الأحساء في أبريل عام 1913 بمثابة الشرارة التي أذنت بالخروج النهائي للعثمانيين من الجزيرة العربية، ووفر إطلالة استراتيجية لمملكة الملك عبدالعزيز الفتية على ساحل الخليج العربي. وسرعان ما أثبتت الأحساء أنها المنطقة الأهم استراتيجياً في العالم، نظراً لغزارة إنتاجها النفطي، وما أدراك ما النفط.
بفضل ذكائه الفطري الفريد، والذي يضاهي ذكاء العديد من القادة الذين ساهم التاريخ في بروزهم وسيادتهم، كان للملك عبدالعزيز دور محوري في تأسيس المملكة العربية السعودية الثالثة. وكما حدث في الأحساء، استغل الملك عبدالعزيز عدم رضا بريطانيا عن الشريف حسين، ليتقدم بجنوده غرباً ويستعيد الحجاز في الفترة ما بين سبتمبر 1924 وديسمبر 1925. وخلافاً لشريف مكة، لم يقدم الملك عبدالعزيز أي وعود للبريطانيين، ولم يتلق منهم وعوداً، لكن بحسه الاستراتيجي المتقد، رأى أن الطريق إلى الحجاز ممهداً أمامه، مستغلاً تطمينات البريطانيين من جهته، ورغبتهم في التخلص من شريف مكة، الذي كان يطالب بريطانيا العظمى بتنفيذ وعودها تجاهه، بتنصِيبه ملكاً على العرب، مقابل مساعدته لها في إخراج العثمانيين من منطقة شرق السويس، فيما عُرف بالثورة العربية الكبرى، في ذروة الحرب العالمية الأولى (1914-1919).
من وجهة نظر الإنجليز، تمثل الخطأ الذي وقع فيه شريف مكة في إعلانه عن طموحه التوسعي، ورغبته في أن يصبح ملكاً على العرب، ليحل محل الخليفة العثماني في إسطنبول. أما الملك عبدالعزيز، فكان هدفه المعلن منذ البداية هو استعادة ملك آبائه وأجداده، وليس أن يصبح ملكاً للعرب أو خليفة للمسلمين. وهذا ما قاله صراحة لبريطانيا والحلفاء عندما عرضوا عليه منصب الخلافة بعد سقوط الخلافة الإسلامية في إسطنبول، حيث أحالهم بذكاء خارق إلى شريف مكة.
وبحسه الاستراتيجي العميق وإدراكه لحركة التاريخ، كان الملك عبدالعزيز يرى أن كلاً من الإمبراطوريتين العثمانية والبريطانية تمران بمرحلة انحدار وتراجع كقوى عظمى. لذا، كان اختياره للولايات المتحدة وليس لبريطانيا في بداية اكتشاف النفط في مملكته، من أبرز مظاهر ذكائه الاستراتيجي، وكأن التاريخ يكشف له عن قرب أن هناك قوة عظمى صاعدة ستهيمن على النظام الدولي (الولايات المتحدة) خلال القرن العشرين، وربما لما بعده.
عندما استعاد الملك عبدالعزيز الرياض، ربما أدرك دوره المحوري، وأن الكيان الذي يسعى لتشييده يسير جنباً إلى جنب، في توافق وانسجام تام مع مسيرة التاريخ.
رحم الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، الذي كان واحداً من أعظم قادة التاريخ الذين استشعروا دورهم في حركة التاريخ.
